منذ أكثر من شهرين وكل من مرّ على المجلس الوطني السوري، من مؤسسين ومستقيلين وأعضاء ومنتسبين ومبشرين بالعضوية يتوافدون على الدوحة من أجل إخراج هذا الجسد من غرفة العناية المشددة التي فشل الطبيب إريك شوفالييه في إخراجه منها لوحده. فلا الصورة الجماعية لقيادته مع الرئيس هولاند، ولا الضخ المالي والدعم الديبلوماسي كان كافياً. العقل البراغماتي الأميركي كان أكثر حذاقة عندما أخذ بعض الأفكار المطروحة من السيد رياض سيف، فأعاد صياغتها بما يتناسب مع الخروج الراديكالي من قصة المجلس الوطني السوري. السيدة هيلاري كلينتون أعلنت نهاية صلاحية البضاعة. وصار من الضروري أن تحدث الولادة القسرية والقيصرية لمولود جديد يستلم ولاية العهد عن أخيه الذي لم يستثمر البيعة الخليجية والتركية والغربية، ولم يكسب الناس، ولم يطور خطابا سياسيا قادرا على مواكبة حالة العنف المدمر الذي تعيشه البلاد.
لعل أولى نقاط ضعف المجلس القديم كانت في دعمه الأعمى لفكرة واحدة هي التسلح واستجلاب السلاح لمجموعات عسكرية فشل في توحيدها أو جعل أفقها السياسي حاضرا وناضجا. وقد استبشر المرء خيرا في كلمة الشيخ أحمد معاذ الخطيب الذي تحدث في السياسة والدين ولم يتحدث في العنف والسلاح. إلا أننا لم نلبث أن استلمنا عدة معطيات واستشهادات مخيفة بالفعل يؤكدها مادة واضحة في الإتلاف الوطني السوري (كما يلفظ اسمه السيد حمد بن جاسم)، فالسيد الخطيب يستدرك ما نسي في خطاب التنصيب فيقول إنه يريد اعترافا أوروبيا ودعما ماليا للائتلاف، ويتابع أنه عندما يحدث الاعتراف السياسي فان هذا سيجعل الائتلاف يتصرف كحكومة ومن ثم يحصل على أسلحة وهذا سيحل المشاكل.
ويكشف السيد الخطيب في رسالة ثانية نُشرت قبل يومين معارضته للميثاق الوطني الذي أقر في القاهرة مؤكداً «لم يتم اعتماد وثيقة القاهرة بأي حال وكنت مع كثير من الأخوة من الرافضين لها وأصدرت بيانا بأنني سأكون أول منسحب عند وجود أمر يخالف عقيدة الأمة الثابتة».
طبعا الحديث هنا عن نزع القداسة عن العمل العام باعتبار البشر مسؤولين عن أفعالهم والتأكيد على المواطنة المتساوية بين كل السوريين كون هذان الأمران مرفوضين من بعض الإسلاميين. برغم غموض العلاقة بين المجلس والائتلاف ومبهمات العلاقة بين الجامعة العربية وما راكمت والمشروع الجديد، وبرغم نيل المجلس حصة الأسد (38 من أبناء المجلس خمسة منهم مستقيل) على حساب باقي فصائل المعارضة الحاضرة والغائبة، وبرغم تغييب مهمة الإبراهيمي وتغييب اجتماع جنيف، صمتت معظم الدول العربية عن ذلك في اجتماع القاهرة، وحاولت تجليس الصورة لكن كما قال أحد الحاضرين «هم قالوا ما عندهم وأهملونا ونحن قلنا ما عندنا بشكل لا يلزم أحدا».
فرنسا تعطي مثلا آخر للكاكافونيا التي تعيشها تجاه سوريا، وزير الدفاع يستبعد الاعتراف المباشر، وفد الخارجية يكتفي في القاهرة بالدعم دون الاعتراف، والرئيس فرانسوا هولاند يعترف بصيغة كاريكاتورية يقول: «اعلن اليوم اعتراف فرنسا بالمجلس الوطني السوري بوصفه الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري، وبأنه الحكومة المستقبلية لسوريا الديموقراطية بما يتيح وضع حد لنظام بشار الاسد». ليس هناك خطأ مطبعي، هولاند يعترف بالمجلس بعد ازاحته في دليل على تتبعه الدقيق والعميق للملف السوري!
مبهمات نص الدوحة كثيرة ورفض الحوار والتفاوض لم يكن بحاجة لجسم سياسي فهذه مهمة المقاتلين، المشكلة أن هناك من يريد أن يملي على السوريين ما يفعلون وأن يجبرهم على فعل ما يريدون وما لا يريدون وأن يتحولوا إلى إمعات كما قال الأستاذ عصام العطار. قبل المؤتمر قال الخطيب إن التفاوض واجب شرعي وسياسي، بعد الكرم القطري، اكتشف الإمام أنه أخطأ الفتوى فله فضل واحد أما فورد وشوفالييه، فلهما فضلان.
[عن جريدة "السفير" اللبنانية]